أمنتو حيدار تفضح المخزن

أمنتو حيدار تفضح المخزن

من الغريب ألاّ تجد سلطات المخزن في المغرب ما تختتم به السنة الآيلة إلى الانقضاء، أفضل من تفجير قضية عنوانها حقوق الإنسان، لكنّ محتواها يتعدى ذلك بكثير، إذ يتعلق مباشرة بحقوق الشعوب، وهو ما عاد إلى السطح فارضا نفسه بقوة، بفضل المناضلة الصحراوية أمنتو حيدار، وفي نفس الوقت كانت تلك إحدى المناسبات المدوية التي أعادت إلى الأذهان أنّ المملكة المغربية بلدٌ مستعمِرٌ زمن انحسار الاستعمار. بطبيعة الحال، فقد خان الإلهام المسؤولين المغاربة، عندما استصغروا أمر تلك المخلوقة الضعيفة من الصحراء الغربية ومنعوها من العودة إلى مدينتها، العيون. لو امتنعوا عن هذا التصرف الغبي، لكانوا جنبوا حكومتَهم ومَلِكَهم بهدلة على المستوى الكوني، هذا على فرض أن الملك، بحكم سموّ مكانته، لا ينحدر إلى مثل هاته التفاصيل، ولو أنه من تحصيل الحاصل أن تكون توجيهاته وما يتفرع عنها من تأويلات واستنباطات، هي البوصلة التي تهتدي بها سلطات المخزن، كما هو الشأن دوما في عالمنا العربي المتخم بحكامه المُللهَمين. لقد أظهر الملك الشابّ أن الصورة التي يحب أن يراه الناس بها، صورة العاهل الشابّ المصلح المتفتح العامل من أجل تكريس الديمقراطية في بلاده، هي صورة دعائية، وأن المُقدّرات الذهنية للمحيطين به، من وزراء ومستشارين، متواضعة إلى درجة توريطه في وَحْلٍ كان في غنى عنه، وبالتالي تلطيخ صورته الزاهية البراّقة. لكن، ليس هناك تماما ما يمنع أن تكون لـ »أمير المؤمنين » الشلة والبطانة اللتان يستحقهما. تناغم بين تل أبيب والرباط عادت أمنتو حيدر إلى العيون، إذن، وعادت إلى أهلها وإلى ذويها بعد أكثر من شهر من الإضراب عن الطعام بمطار لانزروتي الإسباني. وفيما استُقبلت هناك بالزغاريد والهتافات، وهي بالكاد تسمع صيحات النصر حولها بسبب ضعفها الجسدي الكبير، كانت السلطات المغربية تعظّ أناملها غيضا وندما لما تسببت فيه بتهورها من ضجة دولية حول ملف تعمل منذ 35 سنة على حفظه دون نجاح يذكر. وغني عن البيان أن السلطات المغربية ما كان يمكن لها أن تقرّر إبعاد أمنتو حيدر إلى إسبانيا بدون ضوء أخضر من مدريد. الحكومة الإسبانية كان يمكن لها أن ترفض، أن تعتبرها مسألة داخلية بين دولة وبين أحد  »رعاياها »، لكنها أذعنت لضغوط الرباط، أو، وهو الأصح، تصرفت انطلاقا من موقفها المنحاز للمغرب في ملف الصحراء الغربية، مستعمرتها الإفريقية السابقة. كانت أمنتو حيدر وصلت إلى مطار العيون قادمة من إسبانيا في 13 نوفمبر الأخير، ورفضت أن تكتب على استمارة الوصول أن جنسيتها مغربية. وفي فعل متسرع، قامت السلطات المغربية بسحب جواز سفرها، ثم اتصلت بالسلطات الإسبانية لتخبرها بقرار إبعاد المواطنة الصحراوية إلى المكان الذي كانت قادمة منه، أي إسبانيا، ثم أرغمتها على الصعود في طائرة متوجهة إلى مطار لانزروتي بجزر الكناري أين كانت الشرطة الإسبانية في استقبالها. وهنا، في زاوية من قاعة المطار، افترشت أمنتو حيدر الأرض، وأعلنت أنها دخلت في صيام سياسي، وبدأت معركة الإرادة مع القوة الغاشمة والتعسّف، وانتهت إلى قضية دولية أكل فيها المغرب أضراسه. أمنتو حيدر في رفضها تسجيل جنسيتها كمغربية في بطاقة الوصول، وهو إجراء روتيني معتاد في الأحوال العادية، كانت فقط تقول إن حالة الصحراء الغربية لم تصل بعد إلى هذا المستوى من التطبيع لكي تقبل الجنسية المغربية، وتفضح بذلك الدعاوى الرسمية المغربية في قبول الصحراويين الانضواء تحت لواء  »أمير المؤمنين ». وكان لا بدّ للجزائر أن تكون حاضرة في المشكلة وأن تكون هي التي دبرتها وحرّضت عليها، حسب التصريحات السخيفة للمسؤولين المغاربة. بل إن هؤلاء لم يترددوا في إسداء النصح للمناضلة الصحراوية علانية بالسعي إلى الحصول على جواز سفر جزائري، وحتى بالتوجه إلى تندوف، ومن هناك إلى مخيمات اللاجئين الصحراويين، وهو لمز يدلّ فقط على أخلاق فاسدة لدى المخزن، الذي شرّد شعبا بكامله من ترابه ليحقق بعض أطماع في التوسع وفي الاستيلاء على خيرات الغير، وهو في ذلك يلتقي مع إسرائيل سياسيا وإيديولوجيا. لا عجب، إذن، أن يكون هناك على الدوام تناغم بين الرباط وبين تل أبيب، ولا عجب أيضا أن تمتنع إسرائيل عن أية تصريحات تسيء من بعيد أو قريب لـ »أمير المؤمنين »، رئيس لجنة الدفاع عن القدس العتيدة. نكبة النجاشي كان هدف المغرب من إرغام أمنتو حيدر على الاعتذار للملك واضحا، وهو إقرارها بوجود بيعة من الصحراويين للعرش العلوي منذ خروج إسبانيا من مستعمرتها الإفريقية تلك قبل قرابة 35 سنة كخروج اللصوص والنشالين. وقد أدركت المناضلة الصحراوية أن تلبيتها هذا المطلب يعني فقط الاعتراف بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية، وعلى أن تصفية الاستعمار من هذا الجزء قد تمّت وانتهت. ولم تجد المرأة الحديدية أفضل من أن ترد بقولها:  »إنها هي التي يجب أن يتقدم لها محمد السادس بالاعتذار نظير ما لحق بها وبشعبها من ظلم وتعسف ». وهي بهذا أعادت طرح قضية تصفية الاستعمار في الصحراء الغربية بكل أبعادها، في وقت يصرّ المغرب على المضي في مشروع الحكم الذاتي الذي يرفعه. في ستينيات القرن الماضي، وقع شيء مماثل بين إيريتيريا وبين إثيوبيا في عهد الإمبراطور هايلا سيلاسي. كان هذا الأخير وعد بحكم ذاتي لذلك الإقليم مقابل الاعتراف بالسيادة الحبشية. وبمجرّد أن حصل على ذلك، قلّب لهم ظهر المجن وتراجع عن وعوده، متسببا في حرب دامت عدة سنوات، وكانت من بين أسباب نكبة النجاشي وسقوط عرشه الألفي. الملاحظ أنه في كل مرة تقترب جولة جديدة من المفاوضات بين المغرب وبين البوليزاريو تحت إشراف الأمم المتحدة، تفتعل الرباط حدثا ترمي من ورائه إلى تأكيد سيادتها على الصحراء الغربية وعلى اعتراف الصحراويين بذلك. وهذا ما خيبت أمنتو حيدر آمالها فيه، بالاستمرار في صومها السياسي. وقد أصيبت الرباط بالرعب في الأيام الأخيرة وهي تتلقى أخبارا غير مطمئنة عن تدهور صحة المناضلة الصحراوية. أية بطلة قومية كانت الرباط ستهديها إلى الصحراويين، وأي رمز تحرري كانت ستخلقه لو تسببت بعنتها في وفاة أمنتو حيدر. المغرب، مثله في ذلك مثل لإسرائيل، وحتى إشعار آخر، يظل هو البلد الوحيد في المنطقة الذي يملك حدودا مطاطة. فهو قد ارتضى تقسيم إقليم  »يعود إليه تاريخيا » عندما رضي بشطر من الصحراء الغربية وتنازل عن الشطر الآخر لموريتانيا، ثم عاد ووسّع من حدوده عندما انسحبت نواقشوط من النزاع ومن الإقليم، وبدا ذات مرة في عهد مليكه الراحل الحسن الثاني أنه مستعد للقبول بمبدإ التقسيم مع  »البوليزاريو » من أجل إنهاء المشكل. احتفال على بياض بعد حوالي شهرين من اليوم، ستحتفل الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية بالذكرى الـ33 لإعلانها في الـ27 فيفري 1976 بينما ينتظر انطلاق جولة جديدة من المفاوضات بين المغرب وجبهة الوبليزاريو تطبيقا للائحتي مجلس الأمن السنة الماضية (1754 و1783) اللتين تطالبان طرفي النزاع، المغرب والبوليزاريو، باستئناف المفاوضات مباشرة على أساس حق شعب الصحراء الغربية في تقرير مصيره في آخر مستعمرة إفريقية في بداية الألفية الثالثة. هذان القراران الصادران قبل سنتين، يكرّسان الشرعية الدولية، نظرا لكون الصحراء الغربية مستعمَرة إسبانية مصنّفة كذلك في اللجنة الرابعة لمنظمة الأمم المتحدة كقضية تصفية استعمار منذ ,1960 مما يعني أن احتلالها من طرف المغرب لم يغير من تصنيفها القانوني كمستعمَرة لم تتم فيها عملية تصفية الاستعمار. الرباط تسعى بكل جهد لاستباق أية تطورات قد تعيد النظر في  »حقها التاريخي » في الإقليم، وهي تعمل جاهدة على خلق أمر واقع لحمل الجميع إلى التعامل معه مهما كانت التطورات. إنها سياسة مغامرة كبدت الخزينة العلوية ما لا يقل عن 120 مليار دولار منذ  »المسيرة الخضراء ». وقد جدد المغرب مؤخرا  »التزامه بتسوية سلمية » للنزاع الصحراوي على أساس  »مشروع الحكم الذاتي ». تسوية النزاع لا يبدو أنها تلوح في الأفق. كل طرف متمسك بموقف، حيث يعتبر المغرب أن هذا النزاع افتعلته الجزائر، فيما تؤكد البوليزاريو أنها تناضل من أجل الاستقلال وإقامة دولة مستقلة على الصحراء الغربية التي كانت حتى 1976 مستعمرة إسبانية. الأمين العام للأمم المتحدة صرّح في وقت سابق من الأسبوع الجاري أن ممثله الشخصي للصحراء الأمريكي، كريستوفر روس، يجري اتصالات لعقد جولة جديدة بين المغرب وجبهة البوليزاريو، على غرار محادثات مماثلة أجريت في النمسا نهاية أوت الماضي. في هذا السياق، افتعل المغرب حادثة أمنتو حيدر وخرج منها كسيفا هزيلا. ¯ ع. العلمي