الجرح وكلام العيب
بقلم : الطاهر وطار
- تنشر « الشروق » هذا المقال الجميل لكاتبنا الكبير الراحل الطاهر وطار، رحمه الله، وهو من بين آخر ما كتب، حتى أن عددا محدودا جدا من المقربين تمكنوا من قراءته، وهو يقترح قراءة متميزة للأزمة بين مصر والجزائر، فقد كتبه في أواخر شهر جانفي الماضي، أي بعد أسابيع قليلة فقط من مباراة أم درمان
.
- نشرت لي صوت الأحرار لسان حال حزب جبهة التحرير الوطني يوم مقابلة الخرطوم تصريحا نبهت فيه إلى المخاطر التي تهدد العلاقات الجزائرية المصرية، ومنوها بمواقف المثقفين المصريين التي قرأتها في أخبار الأدب وفي الأهرام وفي القدس العربي، ومؤكدا على أن فرنسا وجماعتها في الجزائر وفي مصر والتي ضرب اقتصادها بفعل تأزم علاقاتها مع الجزائر هي المستفيد على المديين القريب والبعيد.
- لقد سبقني الدكتور عثمان سعدي بيوم بمقال نشرته القدس العربي، وعلمت أن هناك لائحة توقع في الجزائر وتتداول بواسطة الانترنت في نفس السياق.
- أعود إلى »ذكر ما جرى« وما يجري (كما تمكنت من متابعته بالغربة حيث أعالج) ببعض ملاحظات:
- الواضح أن الأمور كلها دبرت على يد مصالح الأمن بتواطؤ عليّ، تماما، كما تدبر الانتخابات الرئاسية أو البرلمانية (خلط أوراق. تسميم الجو. استفزازات إلقاءات القبض الخ).
- غريب أمر هذه العودة إلى أسلوب الخمسينات في معالجة القضايا الاستراتيجية بالسباب والشتائم بما في ذلك التعرض لمقدسات الجماهير والشعوب والأمم. وهذا السقوط السريع في الأساليب الولدانية والانبهار بالصغائر (يحكى أن مشرقيا يجلس كل يوم أمام باب متجر يبيع الزيت، وكان كثيرا ما يعطس فيبادره صديقه الجزائري: رحمك الله يا أخي. ينبري المشرقي بإلقاء خطبة مطولة عن الرحمة والجنة والوالدين والجنة والعسل الخ.. ذات يوم توجب على الجزائري أن يعطس.. أخفى رأسه قدر الإمكان، لكن سمعه صاحبه فباره بخطبة عصماء جديدة… احتار الجزائري كيف يرد ديونه الكثيرة، لحظات، ثم حسم الأمر: يرحم والديك والباقي خذه زيت…).
- ولا أظن أن المنظمين المصريين يجهلون طبيعة أحفاد طارق بن زياد بمقولته: العدو أمامكم والبحر وراءكم، وقتلة عقبة ابن نافع، وأحفاد الكاهنة التي أحرقت الأرض بعد أن غلبها الفاتحون.
- إننا لا نعرف الوسطية، ننتقل من السنة إلى الإباضية، ثم إلى الشيعية ثم نعود إلى السنة… ندفع ثمنا غاليا لكن لا نبيت على غيظ.
- قلت في إحدى رواياتي: إذا أدخل الجزائري يده في جيبه، فلأحد أمرين لا ثالث لهما، إما أن يستخرج نقودا ليكرمك، أو خنجرا ليطعنك. ولن تخرج يده بيضاء من غير سوء…
- وإن أسوأ ما يمكن أن يلحق الإنسان البربري هو الإهانة أو ما ينعت بالحڤرة.
- وأعتقد جازما أن مصالح الأمن المصرية حاولت أن تلعب على هذه الأوتار، باللجوء إلى أسلوب المجاهد أحمد سعيد، فخانها الحظ عندما لم يقاطع الجزائريون المقابلة، وعندما لم يتمكنوا من زعزعة الصمود الجزائري فيسجلوا هدف الفوز، في القاهرة. (لقد كان يمكن أن يكتفوا بحفظ ماء الوجه.. بما حققوا وهو ليس بالقليل، فالفريق المصري رغم براعة لاعبيه، ورغم حنكة طاقمه الفني، وعلى رأسه الأستاذ شحاتة… هذا الفريق القوي مستنفذ بدنيا وتكتيكيا…).
- أعتقد جازما كذلك أن الاستراتجيين الرياضيين المصريين نبهوا المسؤولين إلى أن الخسارة في السودان واردة… ما جعلهم يجندون الفنانين الأبرياء وفي مقدمتهم أحمد بدير وهو أحد المحبوبين جدا في الجزائر، لإظهار براءة المشجعين المصريين، وللتمثيل بهم أمام الكاميرا قال لي أحدهم باللهجة المصرية: جابوا بناتهم فاكرينا مارينز والا إيه؟
- لو أن المسألة وضعت في إطارها اللعبوي، كما توضع أية مقابلة بين الأهلي والزمالك، أو بين تيزي وزو والحراش لجرت الأمور في هدوء وأمان.
- غير أننا من الخليج إلى المحيط، نمتلك سلطات ولا نمتلك دولا لها استراتيجيات ولها آفاق ولها عمق.
- نخاف على السلطة ولا نخاف على الدولة.
- كلمة أخيرة، هي أن الجزائري المعاصر لا يعرف مصر جمال عبد الناصر، إنما يعرف مصر السادات، ومصر المواقف الاعتدالية، من إسرائيل ومن غزة، ومن إيران.
- يروى أن أسدا طلب يد فتاة عشقها اسمها صبرا فقالت له بكل صراحة: لا. فمك أبخر.. أجبرها على أن تضربه بالساطور بين عينه.. غادرها وبعد سنوات عاد إليها قائلا ردا على طلبها بالزواج منه: الجرح يبرا وكلام العيب ما يبرا يا صبرا.
- حجمت مصر قيمتها وضيقت الخناق على نفسها وأعطت سلاحا فعالا لأعداء العروبة في الجزائر، واخرتنا ما يزيد عن ستين سنة حين اهتاج الشعب الجزائري غضبا على فريد الأطرش الذي تجاهل في بساط الريح الجزائر.
- لك الله يا مصر ولك الله يا جزائر. ويا عروبة، ميدي ما تميدين، فلا الأحياء تهزين، ولا النوم توقظين.
16 août 2010
Non classé