رغم كونه رجل عرف باحترام واجب التحفظ، وبالبعد عم الأضواء، فلولا المناسبات التي جمعته برفاقه لما عرفت الأجيال الجديدة عن الرئيس الراحل أي شيئ، ونظرا لقلة حضوره الاعلامي بعد تركه قصر المرادية، حيث لم يعرف عن الرجل الخوض في الفضائيات أوفي الصحف، ونظرا لاطلالاته القليلة في وسائل الاعلام، ارتأت » الجزائر الجديدة » اعادة نشر حديث صحفي أدلى به لباحثين يابانيين هما ماساتوشي كيسايتشي وشوكووتانابي من منشورات صوفيا للدراسات الآسيوية عام 2008 . حيث كشف فيه عن الكثير من المواقف ووجهات نظره في الكثير من القضايا والمسائل.
ماساتوشي كيسايتشي :
اسمح لي في البداية أن أوضح لك سبب إهتمامي بالتاريخ الجزائري، عندما كنت طالبا قبل ثلاثين عاما تقريبا، تناول موضوع بحثي المقاومة التي قام بها الأمير عبد القادر الجزائري ضد الإستعمار الفرنسي . كانت تلك أول دراسة أقوم بها . وبعد ذلك، بحثت في تاريخ المجتمع المغربي ودرست تحديدا الطرق الصوفية والزوايا ضد الإستعمار الفرنسي وينصب اهتمامي الرئيسي في البحث في الطرق الصوفية والزوايا ودورها في تشكيل الوطنية الجزائرية.
شوكووتانابي :
وأنا طالبة على يد الأستاذ كيسغيتني وأدرس عن الحركة الإصلاحية جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، أيام الإستعمار الفرنسي. وفي البداية أود أن أطرح عليك بعض الأسئلة حول سيرة حياتك الذاتية. هل صحيح انك ولدت في قرية بوثلجة؟
الشاذلي بن جديد:
لم أولد في قرية بوثلجة بل هي مكان بعيد عليه يقع بين بوثلجة ووعنابة تسمى القرية بين المدينتين أو بين القريتين، بين عنابة، بونة سابقا، وبوثلجة.
كيسايتشي :
وما الإسم الذي كان يطلق على تلك القرية في ذلك الوقت؟
الشاذلي : كانت تسمى » السبع « ويعود اسم هذه القرية إلى السكان الأوائل الذين عاشوا فيها وكان عددهم سبعة إخوة. وتقع هذه القرية بين بوثلجة وعنابة. ومازالت تسمى بالسبعة إلى هذا اليوم.
وتانابي : أهي قرية صغيرة ؟
الشاذليبن جديد :
نعم هي قرية صغيرة ومازالت موجودة حتى الآن ومازالت منازلها القديمة، منذ عهد الإستعمار، موجودة كما هي إلى يومنا هذا نحن حافظنا عليها لكن الفرنسيون دمروها عندما اندلعت ثورة التحرير ..وقمنا ببنائها مرة أخرى في نفس المكان بعد الإستقلال.
وتانابي :
وماذا عن عائلتك ؟ هل صحيح أن والدك من عائلة كبيرة؟
الشاذلي بن جديد:
نعم، هو من عائلة كبيرة جدا وقديمة، ويرجع تاريخ عائلتي إلى عهد ما قبل الرومان . يصل عدد الأسر التي تحمل اسم عائلة بن جديد إلى الآلاف.
وتانابي :
وماذا كانت مهنة والدك؟
الشاذلي بن جديد :
كان والدي فلاحاً، وكان يملك الكثير من الأراضي، كان والدي وعائلة بن جديد من الأغنياء منذ زمن بعيد .
وتانابي :
ومن أين كانت عائلة والدتك؟
الشاذلي بن جديد :
من نفس العائلة، بن جديد ومن نفس القرية أيضا . وأمي تكون بنت عم أبي ذلك لأن العادات العربية والقبلية في ذلك الوقت كانت تحتم على أفراد القبيلة التزاوج من بعضهم البعض . وسبب تلك العادات والتقاليد هناك الكثير من الأمراض الناتجة عن التزاوج بين الأقارب.
كيسايتشي :
هل اسمك مرتبط أوله أية علاقة بالطريقة الشاذلية؟
الشاذلي بن جديد:
لا . يمكن والدتي سمتني الشاذلي احتراماً لشيخ الطريقة الشاذلية، أبي الحسن الشاذلي.
كيسايتشي :
هل يعني ذلك أن اسمك لا علاقة له بعائلة شيخ الطريقة الشاذلية، الشاذلي؟
الشاذلي بن جديد :
نعم هذا صحيح . اسمي ليس له علاقة بالشيخ الشاذلي، والدي سماني الشاذلي احتراما لشيخ الطريقة الشاذلية، هومجرد إسم لا أكثر ولا أقل.
كيساتشي :
هل كان والد زوجتك فلاحا؟
الشاذلي بن جديد :
زوجتي من غرب الجزائر، من مدينة وهران وأنا من شرق الجزائر تعرفت عليها عندما كنت أخدم في الجيش كقائد ناحية عسكرية كبيرة في مدينة وهران.
وتانابي :
هل تلقيت تعليمك في قرية سبعة؟
الشاذلي بن جديد :
بما ان والدي كان يمارس السياسة ضد الإستعمار الفرنسي منذ زمن طويل، لم يكن مستقرا في مكان واحد . ودراستي باللغة الفرنسية كانت تقريبا لمدة أربع مناطق مختلفة، انتقلت من مدينة إلى اخرى بسبب عمل والدي الذي كان يتنقل من مكان إلى آخر وبسبب سياسته ضد الإستعمار، نفاه الفرنسيون إلى عدة مناطق داخل الجزائر ومنعوه من السكن في مسقط رأسه. ولهذا السبب كنت مضطرا للدراسة في عدة أماكن ومدارس مختلفة بدلا من الدراسة في مدرسة واحدة . درست في عنابة ومن عنابة انتقلت إلى الدراسة في شيحاني كانت تسمى باران بالفرنسية، وبعدها درست في مدينة تسمى بالفرنسية موندولي، وتسمى حاليا ترعاندرست في ثلاث مدن باللغة الفرنسية . أما دراستي بالعربية فكانت على يد شيخ قبيلتي في مدرسة قرآنية . درست في هذه المدرسة اللغة العربية وعلوم القرآن وغيرها من العلوم باللغة العربية
وتانابي :
ما هي الحركة السياسية التي كان ينتمي إليها والدك؟
الشاذلي بن جديد:
كان ينتمي إلى الحركة الوطنية الجزائرية كان ينتمي إلى حزب سياسي يترأسه فرحات عباس . لقد كان والدي من أنصار حزب فرحات عباس، وكانت الطبقة الوسطى، الغنية نوعا ما، تنتمي إلى هذا الحزب في عهد الإستعمار الفرنسي . وكانت تسمى هذه الطبقة بالفرنسية وكان أبي من هذه الطبقة.
وتانابي :
في أي سنة انضم والدك إلى حزب فرحات عباس؟
الشاذلي بن جديد :
قبل اندلاع الثورة . ونشاطه الحزبي امتد لسنوات طويلة قبل الحرب العالمية الثانية إلى ما بعد انتهائها . بدأ نشاط الأحزاب السياسية تقريبا في بداية القرن العشرين واستمر إلى ما بعد اندلاع ثورة التحرير عام 1954 واندمجت جميع الأحزاب السياسية في جبهة التحرير بعد اندلاع ثورة التحرير.
وتانابي :
هل كانت المدرسة القرآنية التي درست فيها اللغة العربية تابعة لجمعية العلماء؟ ما اسم تلك المدرسة؟
الشاذلي بن جديد :
نعم كانت تابعة، بشكل ما لجمعية العلماء كان يدرس بهذه المدرسة شخص ملم باللغة العربية وكان يسمى الشيخ صالح كنت أحترمه كثيراً وهوشيخ وطني قبل اندلاع الثورة، استشرته لمعرفة رأيه في اندلاع ثورة التحرير وقال لي أن الثورة هي الإتجاه الصحيح وشجعني. على الإلتحاق بالجبل ضد الإستعمار الفرنسي.
وتانابي :
وهل كانت هذه المدرسة في سبعة؟
الشاذلي بن جديد:
نعم كانت في سبعة.
كيسايتشي :
وهل تلقيت دراسة المرحلة الإبتدائية في نفس المدرسة؟
الشاذلي : نعم.
وتانابي :
هل تلقيت تعليمك في مدرستين باللغة الفرنسية والعربية في نفس الوقت؟
الشاذلي بن جديد :
نعم، كنت أدرس العربية في أيام العطلة، وفي الأيام الأخرى كنت أذهب إلى المدرسة الفرنسية.
كيسايتشي :
أين كنت في الأوّل من نوفمبر 1954 عند اندلاع ثورة التحرير؟
الشاذلي بن جديد :
طبعا كنت مناضلا ضد الإستعمار الفرنسي قبل ثورة نوفمبر كنت في الحركة الوطنية والتي منها انطلقت الثورة الجزائرية كنت في ذلك الوقت في قرية سبعة . كنت في قرية سبعة مع الحركة الوطنية قبل نوفمبر 1954.
كيساتشي :
وأين كنت قبل دخولك جبهة التحرير؟
الشاذلي بن جديد :
هناك أحزاب سياسية في عهد الإستعمار قبل أن تتشكل جبهة التحرير، وأبي كان يناضل في حزب فرحات عباس، وبعد أن ازداد عدد الاحزاب انضممت إلى الحزب الوطني الذي كان ينادي بحرب مسلحة ضد المستعمر على خلاف بعض الأحزاب الأخرى التي كانت تؤمن بالنضال السياسي فقط.
كيسايتشي :
أين كنت موجودا عندما اشتعلت في الأول من نوفمبر؟
الشاذلي بن جديد :
ذهبت إلى الجبل عند اندلاع الثورة.
كيسايتشي :
هل كنت عضوا في جبهة التحرير الوطني في ولاية قسنطينة في عام 1955؟
الشاذلي بن جديد :
لا، لم أكن في قسنطينة، هناك بعض الناس الذين يبسطون الأمور في كتاباتهم عن تاريخ الثورة، الامور ليست بهذه البساطة فعندما اشتعلت الثورة إلتحق كل مواطن بجبهة منظمة من دون وجود تنسيق بين هذه المنظمات، تم التنسيق بين جبهة التحرير والولايات بعد مؤتمر الصومام وحينها قسمت الجزائر إلى ولايات من الناحية العسكرية والياسية لكن في البداية عندما أُعلن عن اندلاع الثورة، اتجهت إلى الجبل جماعات كثيرة، اتجه الجميع إلى الجبل لكن في الحقيقة لم يكن هناك تنظيم واحد ممركز في مكان واحد.
كيسايتشي :
هل صحيح أنك عند الثورة في عام 1955، كنت رئيس ولاية قسنطينة، الولاية الثانية؟
الشاذلي بن جديد :
لا، أنا كنت موجودا في منطقة تسمى » سوق اهراس » وهي لم تكن أبدا الولاية الثانية، تكونت جميع الولايات، كقسنطينة وباتنة والجزائر بعد مؤتمر الصومام . وكان عدد أبرز الشخصيات القيادية في المؤتمر ستة وهم الذين كونوا الحكومة المؤقتة وأشرفوا على التطورات فيما بعد . البداية كانت في حمل السلاح والخروج عن النظام الإداري الفرنسي وإعلان حرب شعبية كاملة ضد الإستعمار الفرنسي، وبعد ذلك بدأنا في تنظيم الجبهة شيئا فشيئا حتى تنظمت القيادة . وأصبحت قيادة الثورة منظمة ومعروفة في مؤتمر الصومام في أوت عام 1956، أما البداية فكانت انطلاقة فردية من دون وجود اتصال مع الأخرين لأن الإتصالات كانت صعبة في الحقيقة، هناك بعض الدراسات التي تحاول أن تبسط الأحداث التي وقعت عند اندلاع الثورة، لكن عندما تتابع كيف توالت الأحداث بالتدرج منذ بداية الثورة والإلتحاق بالجبال وكيفية العمل على اتمام التنسيق بين جميع الأطراف حتى تكوين القيادة والحكومة المؤقتة، تبدو الأمور معقدة أكثر من المكتوب في بعض الدّراسات المبسطة عن اندلاع الثورة؛ المهم في الأمر هوعملية الإلتحاق بالجبل والتي كان الهدف منها الثورة على الإستعمار، وكل شخص غيور على وطنه التحق بالجبل وقاوم بالسّلاح حتىّ الوصول شيئاً فشيئاً إلى تنظيم تنظيم القيادة المسلحة.
لقد استطعت الحصول على أسلحة قبل اندلاع الثورة، حدث ذلك في الحرب العالمية الثانية عندما كانت المعارك على أشدّها بين الطائرات الألمانية “الهتلرية” وطائرات الحلفاء؛ حدثت هذه المعارك في قلب مدينة عنّابة ويوماً من الأيام لاحظنا أنّ طائرة ألمانيّة قد تمّ إسقاطها في المنطقة التي كنا نعيش فيها، بالقرب من البحر، نجا الطّياران من الحادث والتحقا بالباخرة الألمانية “سومترا” وقد تركا الطائرة بما حملت من أسلحة وغادرا، استحوذنا على تلك الأسلحة وكان من بينها بندقية من نوع » موزار » ألمانية ولكني لا أتذكر اسمها بالضبط ثم خزنا الأسلحة التي حصلنا عليها لأنه اعتقدنا أننا سوف نحتاج إليها يوما ما في المستقبل كان عمري تقريبا في ذلك الوقت 15 عاما. وعند اندلاع الثورة، أخرجنا الأسلحة التي احتفظنا بها وعندما التحقت بالثورة كنت أحمل بندقية ورشاش ألمانيين
وتانابي :
ما رأيك في جمعية العلماء؟ أنت درست في مدرسة قرآنية تابعة لجمعية العلماء؟
الشاذلي بن جديد :
لا المدرسة لم تكن تابعة بشكل مباشر لجمعية العلماء.
وتانابي :
هل كان شيخ المدرسة عضوا في جمعية العلماء؟
الشاذلي بن جديد:
لا، لم يكن عضوا في جمعية العلماء لكنه كان يدرسنا بعض التقاليد القديمة. أسست جمعية العلماء في قسنطينة وكان لها فروع كثيرة في مناطق أخرى من الجزائر، ولم ينتم جميع العلماء والمشايخ في ذلك الوقت إلى جمعية العلماء ولكنهم كانوا على اتصال ببعضهم البعض ثم يجمع بين هؤلاء العلماء والمشايخ نظاما واحدا يربطهم ببعضهم البعض . ومعظم المدارس في ذلك الوقت كانت تشيد بمبادرة فردية لا أكثر . يبدو أن هؤلاء المشايخ الذين كانوا من أتباع طرق دينية معينة قد أسسوا مدارس في المناطق التي كانوا يسكنون فيها.
وتانابي :
وهل كان التعليم في المدرسة على الطريقة الصوفية؟
الشاذلي بن جديد:
لا، ليس على الطريقة الصوفية بل على طريقة تسمى بالطريقة الهبرية . هناك العديد والكثير من الطرق الدينية في الجزائر كالطريقة الهبرية والقاديرية بالإضافة إلى طرق ومذاهب أخرى لكل مذهب طريقته، وأتباعه يدرسون التلاميذ المذهب والأفكار التي يؤمنون بها.
وتانابي :
هل كان والدك من أتباع الطريقة الهبرية؟
الشاذلي بن جديد:
لا كان عضوا في هذه المجموعة التي كانت تدرس في المدرسة على يد الشيخ. وكان حول هذا الشيخ مجموعة من الناس الكبار الذين يشكلون شبه جمعية لها دور إجتماعي وثقافي، فمثلا كانوا يرسلون الأساتذة لتدريس التلاميذ في أماكن مختلفة من الجزائر.
وتانابي :
هل صحيح ما يقال عن الطرق الصوفية بأنها كانت تساعد الإستعمار، وأن جمعية العلماء هي التي غرست في الشعب الجزائري حب الوطن ودعمت الشخصية الجزائرية؟
الشاذلي بن جديد :
أنا شخصيا لا أستطيع أن أتهم هذه المذاهب بالتعاون مع الإستعمار أومع الإدارة الفرنسية، القليل منهم من أتباع الزوايا الصوفية كانوا يعملون مع الإدارة الفرنسية . لكن الآخرين من أتباع الطرق الصوفية كانوا وطنيين.
كيسايتشي :
لكن الكثير من الباحثين ذكروا في دراساتهم أن أتباع الطرق الصوفية والزوايا كانوا يؤيدون الإستعمار الفرنسي بينما جمعية العلماء وجبهة التحرير كانا ضد الإستعمار الفرنسي.
الشاذلي بن جديد : في الحقيقة الطرق الصوفية أوالقدرية وطرق ثانية أخرى لعبوا دورا إيجابيا في تنمية الروح الوطنية وتشجيع الشعب عل مقاومة الإستعمار الفرنسي والقليل القليل منهم كانوا يخدمون مصالح الإستعمار. لذلك أنا لا أستطيع اتهامهم جميعا بالتعامل مع الإستعمار.
كيسايتشي :
وما رأيك في دور جمعية العلماء المسلمين في ذلك الوقت ؟
الشاذلي بن جديد :
قاموا بدور أساسي وإيجابي بالتشجيع وإبراز الروح الوطنية.
كيسايشتي :
لكن في ذلك الوقت كان هناك بعض المشاكل بين جمعية العلماء وجبهة التحرير
الشاذلي بن جديد :
هذا صحيح . كان هناك خلاف حول توجه الثورة والتوجه المستقبلي للجزائر بعد الإستقلال . كان توجه جمعية العلماء ديني بينما كانت أفكار وتوجهات جبهة التحرير وزعماء الثورة تقدمية ومنفتحة وبعيدة عن الإتجاه الروحي أو الديني . كانت جمعية العلماء المسلمين تريد لمستقبل الجزائر المستقلة أن يأخذ منحى إسلامي لأن أعضاء الجمعية كانوا منغلقين ومتطرفين نوعا ما وكانت قيادة جبهة التحرير ضد هذا التيار والإعتقاد والذين قاموا بثورة التحرير كانوا منفتحين ويؤمنون بالعدالة الإجتماعية لجميع الجزائريين دون استثناء. وكان هناك خلاف فيما يتعلق بالدور الذي يمكن أن تلعبه المرأة في المجتمع والسياسة فبالنسبة إلى جمعية العلماء، كان دور المرأة محدود وكانت نظرتهم لها تقليدية حيث يجب أن تبقى في المنزل في النهاية، كانت هذه الخلافات الدينية والروحية بين جمعية العلماء وجبهة التحرير بسيطة لكنهما كانا متفقين وعلى طريق واحد فيما يتعلق باستقلال الجزائر . علاوة على ذلك، في نخهاية الأمر انضمت جمعية العلماء المسلمين إلى جبهة التحرير من أجل الإستقلال.
كيسايتشي :
وماذا عن الدورالذي لعبه الشيخ محمد البشير الإبراهيمي في الثورة؟
الشاذلي بن جديد:
لقد كان الشيخ البشير الإبراهيمي دور كبير في الثورة الجزائرية في البداية كانت الأحزاب السياسية والدينية مترددة في الإنضمام إلى جبهة التحرير، لكن عند اندلاع الثورة في الأول نوفمبر، انضمت معظم الأحزاب السياسية، بمافيها جمعية العلماء المسلمين إلى الخط الثوري ” جبهة التحرير” . ولكن بعد انتهاء الثورة وتحقيق الإستقلال بدأ قادة الأحزاب السياسية والدينية الذين انضموا إلى الثورة بالعودة إلى ثقافتهم القديمة ولنشأتهم الحزبية الأمر الذي خلق مشاكل ومتاعب وتناقضات في الجزائر بعد الإستقلال وتحديداً منذ عام 1962
وتانابي :
هل ظهرت هذه الخلافات بعد انتهاء الثورة فقط ؟
الشاذلي بن جديد :
نعم، ظهرت هذه المشاكل بعد الإستقلال فقط، وذلك لأن الذين انضمّوا إلى جبهة التحرير التي قادت الثورة، عند الإعلان عن تصريح الأول نوفمبر، تخلوا عن إنتماءاتهم الحزبية والمبادئ التي كانوا ينادون بها، ولكن بعد الإستقلال بدأ قادة الأحزاب السّياسية والذين كانوا ينتمون إلى جبهة التحرير بالعودة إلى انتماءاتهم الحزبية قبل اندلاع الثورة. وهذا الوضع خلق تناقضات ومشاكل بعد الإستقلال منذ العام 1962.
كيسايتشي :
تولي الرئيس الشاذلي منصب الرئاسة في نفس العام الذي شهد قيام الثورة الإسلامية في إيران في 1979 في ذلك الوقت، أعطت الثورة الإيرانية الإسلامية كدين وثقافة زخماً قوياً بين صفوف الشعب الجزائري. ما هوالدور الذي لعبته الثورة الإيرانية في تعزيز الإسلام في الجزائر؟
الشاذلي بن جديد:
في الحقيقة كانت الجزائر في بداية الثورة منسجمة مع تقاليدها ومبادئها وأصلها، أعني في هذا، الإنتماء الحضاري للجزائر إلى الأمة العربية والإسلامية بكل ما تملكه من حضارة وتاريخ بالإضافة إلى الإنتماء الروحي أيضاً. وانطلقت الثورة على هذا الأساس من المبادئ بما فيها الإنتماء الديني للإسلام. ولم تقوم الثورة الإيرانية بأي دور يذكر في تطور الأحداث في الجزائر بل بالعكس نحن ساعدنا الإيرانيين في مشاكلهم مع الأمريكان والشاه. وكما هومعروف، ينتمي الإيرانيون إلى المذهب الشيعي ونحن في الجزائر وفي محيط المغرب العربي ننتمي إلى ما يسمى بالمذهب المالكي، وهناك فرق كبير بين المذهب الشّيعي والمالكي .
كيسايتشي :
وماذا عن ازدياد عدد المساجد في السّبعينات وأصدرت السّلطات الجزائرية قانون يمنع بيع الكحول للمسلمين في عام 1976؟ ألا توافقني الرأي بأنّ المجتمع الجزائري في ذلك الوقت قد انتقل من مجتمع علماني إلى مجتمع أكثر تديناً ؟
الشاذلي بن جديد :
نعم هذا صحيح ولكن هذا التّحول كان تدريجياً، عندما استقلت الجزائر، اتخذنا الإتجاه الإشتراكي في عهد الرئيس أحمد بن بلّة. ولكننا رفضنا هذا الإتجاه الإشتراكي لأنه كان أقرب إلى الإتجاه الشيّوعي. والشيّوعية ليس لها أية علاقة أوارتباط بالتقاليد والأعراف الجزائرية بل هي عبارة عن شيء مستورد ليس له أية صفة بالجزائر وحياة الجزائريين، أثار وجود الشيّوعيين في الجزائر ودورهم المؤثر داخل نظام الحكم الذي حاول تطبيق الإتجاه الإشتراكي الأقرب منه إلى الشيوعية، بلبة وفتح الباب للتطرف الدّيني وأدى ذلك في نهاية الأمر إلى تنحية بن بلة من السلطة لأن نظام حكمه فرض على الشعب الجزائري نمطاً من التنمية والتوجه السّياسي والإقتصادي والإجتماعي أكثر ارتباطاً بالأنظمة الشيوعية. وبسبب فشل النظام في تحقيق سياساته التنموية سمح للتيار الديني بالتسلط للتغلب على التيار الشيوعي في الجزائر. ولهذا السّبب برز التيار الدّيني وازداد نشاطه السّياسي في السبعينات من خلال بناء المساجد في ذلك الوقت، لم يكن هناك سوى حزب واحد علني هوجبهة التحرير وفي داخلها كان هناك أيضاً العديد من الإتجاهات السّياسية والدّينية كالشيوعيين والإسلاميين وغيرهم مثلت جبهة التحرير المظّلة التي ضمّت تحتها خليط كبير من الإتجاهات المختلفة واستمرّ هذا الخليط في النموإلى الثمانينات .
وتانابي :
ألم يكن هناك صراع بين الإتجاه الإشتراكي والإسلامي أثناء حرب التحرير؟
الشاذلي بن جديد :
لا، لم تكن هذه التوجهات موجودة أثناء حرب التحرير لأن شرط الإلتحاق بجبهة التحرير كان التخلي عن الإنتماءات الحزبية، لذلك سمح فقط لهؤلاء الذين تخلوا عن إنتماءاتهم السّابقة بالإنظمام لبرنامج جبهة التحرير وتصريح الأوّل من نوفمبر، ولم تسمح الجبهة لهؤلاء الذين رفضوا التخلي عن انتماءاتهم السّابقة بالإنضمام إلى صفوفها إذا استطعنا التغلب على كل التيارات المتناقضة وأصبح التفكير واحد أثناء ثورة التحرير، لكن بعد الإستقلال بدأ البعض من داخل جبهة التحرير،بالعودة إلى انتماءاتهم السابقة كالإسلاميين والشيوعيين والإشتراكيين واللائكيين وغيرهم .
وتانابي :
هذا يعني أنّ جميع الإتجاهات السّياسية والفكرية كان يجمعها قاسم مشترك واحد داخل جبهة التحرير وهوتحرير الجزائر؟
الشاذلي بن جديد:
نعم، هذا صحيح .
كيسايتشي :
في شهر أكتوبر من سنة 1980 ضرب زلزال قوي مدينة الأصنام وكان للجمعيات الإسلامية دور كبير في مساعدة المنكوبين . ما تقييمك لدور هذه الجمعيات في ذلك الوقت؟
الشاذلي بن جديد :
بدأت هذه الجمعيات الإسلامية بالإنتشار بين الناس بعد الدور الذي لعبته في مساعدة المنكوبين لكن الدولة هي التي تكفلت بكل شيء في بناء المنازل المدمرة ودور هذه الجمعيات كان محدوداً مقارنة بالدور الذي لعبته الدولة.
كيسايتشي :
لكن الكثير من الباحثين قد أكدوه على أن الدور الذي لعبته الجمعيات الإسلامية في مساعدة الناس فاق بكثير دور الحكومة.
الشاذلي بن جديد :
هذا ليس صحيحا الحكومة هي التي تكفلت بكل شيء لكن باب المساعدة أيضا كان مفتوحا لأي كان بما فيهم الشبكات الإسلامية والتي كان دورها محدود لأن إمكانياتهم أقل من إمكانيات الدولة . لقد وفرت الحكومة مساعدات ضخمة جداً لمساعدة السكان بعد الزلزال.
كيسايتشي :
هل الرئيس الشاذلي هو الذي قام بإحداث التغيير في الجزائر من السياسة الإشتراكية إلى السياسة الرأسمالية؟
الشاذلي بن جديد:
نعم هذا صحيح . أنا الذي غيرت النظام من الإشتراكية إلى الرأسمالية لأني أدركت أن النظام الإشتراكي قد فشل، ولا يوجد إنسان آخر مثلي عايش الثورة من بدايتها إلى بداية التسعينات . لقد كنت مسؤولا في القيادة حتى حققنا الإستقلال ومارست أنشطة من دون انقطاع في السلطة السياسية والعسكرية إلى عام 1992 هذا يعني أنني عشت كل مراحل تطور الثورة حتى الإستقلال بينما كنت مسؤولا كبيرا في الجيش . نحن الذين أحضرنا بن بلة ووضعناه في الحكم، أنا شخصيا لم يسبق لي الإلتحاق بالمدارس العسكرية أثناء الإحتلال الفرنسي ولا حتى بعد الإستقلال، لقد كنت مناضلاً ومن خلال نضالي تدربت على الحياة الثورية وتحملت المسؤولية بلباس عسكري لا أكثر ولا أقل، بذلك فقد عشت مراحل الثورة من بدايتها حتى الإستقلال ثم في عهد بن بلة، وبومدين بعده أنا كنت عضوا في مجلس الثورة الذي كان يمثل السلطة الأساسية حول رئيس الجمهورية في عهد بومدين ومن خلال التجارب الطويلة التي خضتها من النظام الشيوعي في عهد بن بلة إلى النظام الإشتراكي في عهد بومدين، واللذان فشلا تماماً، تكونت عندي فكرة كاملة وواضحة عن الأوضاع في الجزائر.
كيسايتشي :
ما هي المشكلة الرئيسية للنظام الإشتراكي في الجزائر؟
الشاذلي بن جديد:
لم نستطع تحقيق ما كنا نطمح إليه في ظل النظام الإشتراكي، النظام الإشتراكي كفلسفة ومبادئ جميل جدا، ولكنه أثبت فشله عند التطبيق في الجزائر، فمبدأ الإشتراكية وإيماننا بها من خلال مبدأ واحد فقط، وهومبدأ العدالة الإجتماعية وما زلنا حتى هذا اليوم نؤمن بالعدالة الإجتماعية في الجزائر . الفلسفة شيئ والتطبيق شيئ آخر . ونحن فشلنا في التطبيق .لذلك، كان الخيار الوحيد هوفتح الباب للشعب الجزائري ليختار ممثليه. هذا هواتجاه المستقبل لأن العالم أصبح صغيراً ونحن جزء من هذا العالم وتطورنا مرتبط بهذا العالم والجمود والتشبث بفلسفة معينة محكوم عليه بالفشل وأكبر مثال على كلامي هذا فشل الإتحاد السوفياتي ورجوعه إلى الواقع . أنا غيرت النظام من خلال قناعتي الشخصية لأني عشت جميع المراحل الإقتصادية والسياسية والإجتماعية للنظام السياسي الجزائري كمسؤول وعلى هذا الأساس فقد تحملت المسؤولية بشكل كامل . وعندما أدركت أن النظام الإشتراكي في ذلك الوقت غير قادر على المضي قدما في تحقيق الإصلاحات المطلوبة، قررت تغييره.
كيسايتشي :
من أيت استوحيت فكرة تغيير النظام؟
الشاذلي بن جديد :
من خلال تجربتي في السلطة، أنا شخصيا الذي قررت تغيير النظام من خلال تغيير الدستور وحذف الميثاق لأن النظام والدستور كانا مرتبطان ببعضهما البعض، لأنه من الناحية السياسية، يصعب على الهيئة التنفيذية التطبيق من دون المساس بصلاحيات الدستور . وبذلك لأنه على الحكومة تطبيق ما ذكر في ميثاق جبهة التحرير وهذا مستحيل لأنه مع تغير الأوضاع في الجزائر كان على الهيئة التنفيذية ” الحكومة” أن تتماشى مع تطور الأمور في البلاد . وهذا الجمود هوالذي دفعني لاتخاذ قراري في تغيير النظام. وقد أدركت مدى أهمية تسليم الحكم للشعب الجزائري في إطار منظم وفي إطار الديمقراطية الحقيقية . وقد اختار الشعب الجزائري ممثليه في البرلمان بكل حرية وأعطيت البرلمان صلاحيات واسعة وهكذا فتح المجال امام الهيئة التنفيذية لمراقبة الحكومة . وهذه الإصلاحات التي قمت بها مست بشكل مباشر مكاسب ومصالح بعض المسؤولين الذين استفادوا من مركزية القرار ومن حكم الحزب والفرد الواحد. حتى أن جبهة التحرير كانت ضد الإصلاحات . عندما طرحت الدستور الجديد الذي سمح للشعب الجزائري باختيار ممثليه من رئيس الجمهورية إلى رئيس البلدية بكل حرية عن طريق الإنتخابات الحرة، أصبح الشعب الجزائري مسؤول عن اختياره لمسؤوليه وقل توجيه اللوم والنقد لشخص رئيس الجمهورية أو رئيس الحكومة . بمعنى آخر أنا أردت أن أعطي حرية حقيقية للشعب الجزائري في اختيار ممثليه . وللأسف هذه الإصلاحات التي قمت بها أدت إلى حوادث الخامس من أكتوبر. يدعي البعض أن حوادث الخامس من أكتوبر هي التي جاءت بالديمقراطية، لكن الحقيقة هي العكس تماماً عندما شعر المتضررون من الديمقراطية بأن الديمقراطية الحقيقية تسير بمسارها الصحيح، وأصبح للشعب الجزائري صلاحيات كبيرة، أدركوا أنهم سيفقدون نفوذهم وتضيع مصالحهم. لقد خافوا على أنفسهم لأنه عندما أصبح الشعب الجزائري حراً في اختيار ممثليه، سوف يختار الأشخاص النزهاء فقط، والذي يثق بهم. عندما تكون الهيئة التنفيذية هي التي ترشح الشخص فإن هذا يتناقض مع أبسط مبادئ الديمقراطية، لقد كنت على قناعة تامة. من خلال دراستي للحكم في الجزائر منذ الإستقلال أن التنظيم الإشتراكي والأسلوب المركزي في اتخاذ القرار وحكم الحزب الواحد لم يعد يجدي نفعاً. والتاريخ يحكم عني بالفشل أونجاح الأمور لأنني المسؤول الأول والأخير عن الإصلاحات. وحوادث الخامس من أكتوبر كانت نتيجة عدم قبول المسؤولين في السلطة والحزب للإصلاحات والتغييرات التي قمت بها . فحاولوا إجباري على التخلي عن الإصلاحات من خلال إخراج المظاهرات . لكني قلت لهم بأنهم على خطأ لأن مصلحة الشعب الجزائري تقتضي منا فتح باب الديمقراطية. وذلك من خلال فسح المجال له في اختيار ممثليه وتحمل مسؤولية اختياره ومصيره. ولذلك أُأكد أن الإصلاحات بدأت قبل أحداث الخامس من أكتوبر وأن هذه الأحداث كانت عبارة عن ضغوط مورست علّي لإجباري على التراجع عنها. ولكني تمسكت بالإصلاحات وطرحت الدستور الجديد للإستفتاء في عام 1989 وأخبرتني مصالح الأمن ان جبهة التحرير قد حرضت الناس على التصويت ضد الدستور الجديد لأنه كان سيفتح الباب للديمقراطية . ولكني لم أكترث لما قاموا به على الرغم من أنني كنت مسؤولا في جبهة التحرير . كان هناك العديد من أفراد جبهة التحرير خائفين على مصالحهم لارتباطها بشكل كبير باستمرار حكم الحزب الواحد لذلك قررت أن أطلب من الشعب الجزائري الحكم بيني وبين المعارضين على الإصلاحات من خلال وضع الدستور للإستفتاء الشعبي ولضمان نزاهة الإستفتاء أمرت مصالح الأمن بعدم تزوير نتائج الإستفتاء أوالتدخل في عملية الإستفتاء . وقد قررت أن أمضي في الإصلاحات في حال صادق الشعب على الدستور أوالإستقالة من منصبي في حال رفضه. وقد وضعت هذان الخياران كشرط مسبق وجميع الشعب الجزائري على علم بهذا الأمر . وصوت الشعب في هذا الإستفتاء على الدستور بنسبة 85 بالمائة (والصحيح هو73.4) وخيبت نتيجة الإستفتاء هذه صفعة قوية للأحزاب وجبهة التحرير . لقد أدركت من خلال نتيجة الإستفتاء والتأييد الشعبي له أنني على الطريق الصحيح. كانت مصلحة الشعب بالنسبة لي أهم من مصلحة المسؤولين من حولي . ولواتبعت أهواء هؤلاء المسؤولين لوصلت الأمورفي الجزائر إلى الهاوية. فقد أدركت من نتيجة الإستفتاء أن الشعب الجزائري يريد فتح الباب للديمقراطية الحقيقية لتحمل المسؤولية ولإختيار ممثليه بكل حرية وديمقراطية من رئيس الجمهورية إلى رئيس البلدية . وهكذا يكون البرلمان مستقلا وله الحرية الكاملة في مراقبة الهيئة التنفيذية قبل الحكومة كما هوالحال في الدول الديمقراطية الحقيقية . البرلمان هوالممثل الرسمي للشعب ومن خلاله تتم مراقبة الهيئة التنفيذية ومحاسبتها. موقف جبهة التحرير المعارض لهذه التطورات والإصلاحات الديمقراطية دفعت الشعب الجزائري للتعاطف مع الإتجاه الإسلامي وهذا بدوره أعطى الفرصة للتطرف الإسلامي في النموانتقاما من المسؤولين القائمين على جبهة التحرير، وليس بجبهة التحرير كرمز. ولهذه الأسباب فقد صوت الشعب الجزائري للجبهة الإسلامية للإنقاذ في الإنتخابات . وكانت النتيجة فوز الإسلاميين بها والتي كانت بمثابة نقمة على المسؤولين في جبهة التحرير لإرتكابهم أخطاء منها نهب أموال الدولة. لأنهم كانوا خائفين على أنفسهم من المحاسبة والمساءلة الشعبية وطلبوا مني أن أعيد الإستفتاء لكني رفضت.
كيسايتشي :
دعنا نعود، من فضلك إلى الموضوع الأساسي . ذهبت أنا وطالبتي (شوكووتانابي) إلى قسنطينة السنة الماضية، وقمنا بزيارة جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية. ما هدف الحكومة الجزائرية من تأسيس هذه الجامعة في عام 1984؟
الشاذلي بن جديد:
في الحقيقة، لقد كانت هذه الجامعة عبارة عن مسجد قبل أن تصبح جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية، وبعد ذلك بدأت فكرة توسيع المسجد فتحول إلى معهد ومن ثم إلى جامعة. وقررنا تعليم الدين الإسلامي في هذه الجامعة وأحضرنا أساتذة على مستوى رفيع لتسيير أمورها. وكانت الجامعة الوحيدة في الجزائر التي تولت تعليم الدين الإسلامي . ونظرا لأهمية هذه الجامعة، أحضرت الأستاذ المصري الشيخ الغزالي من مصر ليدرس في الجامعة. وعلى الرغم من أن الناس كانوا يتهمونه بالمسؤولية على انتشار التطرف الإسلامي في الجزائر إلا أنه كان رجلا معتدلا، لقد كان ” الأستاذ الغزالي إنسانا عالما ومحترما وله سمعة طيبة بين المصريين والعرب جميعا وقد تكفل بإدارة الجامعة . لم يبرز التطرف من هذه الجامعة بل كان مصدره أطراف وتنظيمات أخرى خارجية . كان أساتذة جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية من المعتدلين وقد ساهموا أيضا في تخريج أساتذة معتدلين . حتى أنه عندما أُعلن العصيان المدني في الجزائر، شارك فيه عدد قليل جدا من طلاب هذه الجامعة. برز التطرف الإسلامي في الجزائر من عناصر ومذاهب وأفكار لا تتماشى مع الإسلام الحقيقي جميعها جاءت من خارج الجزائر . وعانت من هذه المشكلة، ليس فقط الجزائر، بل جميع البلد العربية حتى يومنا هذا والإسلام بريء تماماً من هذه التنظيمات المتطرفة.
كيسايتشي :
ما هي الأسباب وراء أحداث الخامس من أكتوبر 1988؟
الشاذلي بن جديد :
كانت أسباب أحداث أكتوبر الإصلاحات التي قمت بها، كان هناك العديد من المسؤولين في جهاز جبهة التحرير وآخرين أيضا ضد الديمقراطية التي حاولت تطبيقها، وذلك لأن الديمقراطية وحرية الصحافة وفسح المجال للشعب في اختيار ممثليه بحرية ستكشف عيوب المسؤولين، وستحرمهم من المكاسب التي كانوا يحصلون عليها من خلال الحكم بالقواعد القديمة زمن حكم الحزب والفرد الواحد باختصار، شكلت عملية الإصلاح تهديداً لنفوذ الكثيرين من أعضاء جهاز جبهة التحرير وغيرهم، ولهذا السبب فقد قاموا بالتحريض على تلك المظاهرات وأحداث العنف الإجباري على العدول عن مشروع الإصلاح والتخلي عن التوجه الديمقراطي. أما القول بأن الديمقراطية هي التي جاءت بأحداث الخامس من أكتوبر فهذا غير صحيح والحقيقة أن العكس هوالصحيح. الإصلاحات الإقتصادية والسياسية هي التي جاءت بهذه الأحداث من قبل المتضررين منها لإجباري على التراجع عن مشروع الإصلاح الديمقراطي.
وتانابي :
هل كان وراء هذه الأحداث منظمة معينة؟
الشاذلي بن جديد :
لا، كانت من عناصر من جبهة التحرير وهمالذين شجعوا على هذه الأحداث.
وتانابي :
هل تعني أن هذه الأحداث والمظاهرات لم تكن منظمة؟
الشاذلي بن جديد :
لا، لم تكن منظمة واحدة مسؤولة عن تنظيم الأحداث، وقد اغتنم الإسلاميون هذه الأحداث للبروز على الساحة السياسية وكسب التأييد الشعبي بعد أن أعطاهم الشعب الجزائري ثقتهم انتقاما من تصرفات جبهة التحرير.
كيسايتشي :
لماذا استطاعت الجبهة الإسلامية للإنقاذ تحقيق نتائج كبيرة في انتخابات 1990؟
الشاذلي بن جديد:
أعطت الديمقراطية الشعب الجزائري اختيار الإسلاميين بكل حرية، تماماً كما حدث في فلسطين عندما انتخب الشعب الفلسطيني الإسلاميين من حركة حماس، كان اختيار الشعب الفلسطيني للإسلاميين عقابا ورداً على التصرفات والأخطاء التي ارتكبتها حركة فتح بحق الفلسطينيين ونهب أعضاءها للمال العام. وهذا بالضبط ما حدث في الجزائر، عندما انتقم الشعب من تصرفات المسؤولين في جبهة التحرير الذين ارتكبوا أخطاء كبيرة في حق الشعب الجزائري زنهبوا أمواله . هذه هي الحقيقة.
كيسايتشي :
كما هومعروف، لم تقبل الحكومة الجزائرية بنتائج الإنتخابات 1991 وحظرت الجبهة الإسلامية للإنقاذ وكانت النتيجة مأساوية وراح ضحيتها أكثر من مائة ألف قتيل في ذلك الوقت. هل تعتقد أنه لوقبلت الحكومة نتائج الإنتخابات وتنظيم الجبهة الإسلامية في الحكم لجنبت البلاد كل تلك الأحداث التي تبعتها؟
الشاذلي بن جديد:
طبعا كان يتوجب أن تعالج المشاكل التي اندلعت بعد الإنتخابات في إطار البرلمان وبصراحة أنا لا أتهم كل جبهة التحرير وذلك لأن البعض في جبهة التحرير قبلوا نتائج الإنتخابات وفضلوا ان يقوم “الفيس” في تعيين حكومتها ومن ثم نقوم بنقل الصراع سياسيا إلى داخل البرلمان من خلال طرح وجهات النظر المختلفة، كان المفروض ألا تصل الأمور إلى تلك الأزمة الخطيرة والتي ما زلنا نعاني منها حتى الآن . أنا كنت مع الإطار الديمقراطي وبما أن الشعب اختار الطرف الآخر ” الإسلاميين ”، كان يتوجب كان يتوجب علينا تسليمهم الحكومة والسماح لهم بالإمساك بزمام الأمور في الجزائر لكن أعضاء جبهة التحرير خافوا على أنفسهم وطلبوا مني حذف نتيجة الاإنتخابات وإعادتها من جديد لكني رفضت طلبهم احتراما مني للدستور وتنفيذاً للوعد الذي قطعته على نفسي عندما حلفت على القرآن باحترام إرادة الشعب الجزائري . لذلك لم أطلب من الشعب الجزائري أن يعيد النظر في اختياره للإسلاميين . وماذا كان سيقول الرأي العام الجزائري والدولي على لوأني قمت بحذف الإنتخابات؟ فكانوا قد ظنوا أن الإصلاحات التي قام بها الشاذلي كانت عبارة عن مناورة للبقاء في السلطة. ولهذا السبب قررت ترك الحكم وقدمت استقالتي احتراما لخيار الشعب الجزائري. ومخطئ من يدعي أنه كان انقلابا لأني قمت بالإستقالة بمحض إرادتي دون أي ضغوط من قبل أية جهة كانت.
كيسايتشي :
كان على الحكومة الجزائرية القبول بحكومة الجبهة الإسلامية للإنقاذ، أليس صحيحاً؟
الشاذلي بن جديد:
نعم، هذا صحيح، لو أن الحكومة قبلت بنتائج الإنتخابات، فما كنا قد وصلنا إلى ذلك الوضع الخطير . فقد أردت من الشعب الجزائري أن يتحمل مسؤولية إختياره لممثليه بكل حرية ومن خلالهم تشكيل الحكومة كان يجب علينا احترام خيار الشعب الجزائري ومنح الفرصة للجبهة الإسلامية للإنقاذ » الفيس » تشكيل الحكومة . كان ينبغي الحكم على الفيس من خلال القوانين والإجراءات الدستورية التي تحكم الحكومة والخروج عن إرادة الشعب وخياره في الإنتخابات كان خطأ كبير جداً. فقط حتى أضعك بصورة ما حدث بعد وفاة الرئيس بومدين، طلب مني المسؤولون في مجلس الثورة أن أرشح نفسي للرئاسة لكني رفضت وقلت لهم أنني لم أكن مستعداً لذلك المنصب . ولكني قبلت المسؤولية عندما أدركت أن الأمور بدأت تتأزم وتتدهور وسارت البلاد في اتجاه الحرب الأهلية، وإن لم أقبل المسؤولية لكانت الأمور قد تدهورت أكثر وأكثر بعد وفاة الرئيس بومدين طلبوا مني ترشيح نفسي لمنصب رئيس الجمهورية لأن الجيش وأعضاء جبهة التحرير كانوا يحترمونني لأني لم أكن مسيرا من أية جهة أخرى . كان الشعب الجزائري أيضا يحترمني لأنني نت في الجيش وبعيدا عن الخليط السياسي وقد اضظررت لقبول منصب رئيس الجمهورية بعد أن وضع الشعب الجزائري ثقته في شخصيولهذا السبب، فإن منصب رئيس الجمهورية فرض علي من قبيل المجتمع والمسؤولين الجزائريين . وقد قلتها علانية للشعب الجزائري بأن منصب رئيس الجمهورية قد فرض علي . أعطاني الشعب الجزائري ثقته لأنه يعرف أنني قديم في الجيش واحتراما لهذه الثقة أردت أن أفتح الباب لتغيير نظام بومدين الإشتراكي.
وتانابي :
أود أن أسألك سؤالا ثقافيا . ما هي الهوية الثقافية للجزائر وهل تتمتع الجزائر بهوية خاصة بها غير الهوية الإسلامية العربية؟
الشاذلي بن جديد :
ليس هناك هوية خاصة بالجزائر غير الهوية العربية والإسلامية نحن ننتمي إلى مجتمع عربي إسلامي له حضارة عربية إسلامية ونحن ما زلنا نتمسك بانتمائنا لهذا المجتمع وهذه الحضارة وقيمها وصراعنا الداخلي كان سببه فرض بعض المسؤولين أفكارهم الشخصية على الشعب الجزائري والتي تتناقض مع تقاليده وعاداته، فمثلا رفضنا الشيوعية من البداية وآمنا بالإشتراكية في إطار العدالة الإجتماعية فقط. وقد رفضنا الإشتراكية أيضا عندما أدركنا أن لها مفاهيم تتعارض مع انتمائنا للحضارة العربية الإسلامية، والجزائر كانت ومازالت تنتمي إلى الثقافة الأسلامية . والجزائر كانت ومازالت تنتمي إلى الثقافة العربية الإسلامية والثقافة الجزائرية أبقت انتماءها الروحي إلى الحضارة العربية الإسلامية.
وتانابي :
وماذا عن الأمازيغية؟
الشاذلي بن جديد :
الأمازيغية هي عبارة عن تقاليد ولغات لبعض القبائل التي تنتمي إلى حضارات وثقافات عصر ما قبل الإسلام . ومازال هناك بعض هذه القبائل القليلة جداً المتمسكة بهذه الأصول ومن الصعوبة بمكان أن نقوم بتتبع أصول هؤلاء الناس وانتماءاتهم الأمازيغية . الأمازيغية عبارة عن لغات محلية وحضارات مرتبطة روحياً بالإسلام، وذلك لأن الإسلام، وبشكل خاص في شمال إفريقيا، لم يفرض بقوة السيف بل اعتنقه الجزائريون لأنه الدين الذي جاء بالعدالة الإجتماعية، انتمائنا الحضاري هوالذي ساعدنا كمجتمع مغاربي من ليبيا إلى تونس إلى المغرب، على التمسك بمبادئ الإسلام . وبالنسبة لهؤلاء الذين يدعون بأنهم أمازغيين، أقول لهم بكل افتخار : لقد عربنا الإسلام قبل أن نبدأ بتكلم اللغة العربية، كانت شعوب شمال إفريقيا تتكلم باللغات المحلية واللغة الأمازيغية لم تكن موحدة بين الناس في ما هومعروف اليوم بالمغرب والجزائر مثلاً الأمازيغية لغة فات عليها الزمن وغير قابلة للتطور، لذلك نحن الجزائريون نقول أن الإسلام عربنا بحكم إيماننا بالإسلام أردنا أن نتكلم باللغة العربية وقد اندثرت اللغة الأمازيغية وحلّت مكانها اللغة العربية لأنها كانت لغة حضارة كبيرة على مستوى عالمي. حتى أن التلاميذ الأوربيون في القرون الوسطى . كانوا يتكلمون ويتعلمون باللغة العربية في جامعات الأندلس . وكانوا يفتخرون بقدرتهم على التكلم باللغة العربية تماما كما نفتخر نحن اليوم بتحدث اللغات الإنكليزية والفرنسية كلغة ثانية. كانت اللغة العربية محترمة عالميا وكان لها دور كبير في العالم
وتانابي :
هل تعني أن اللغة الأمازيغية لا تشكل عاملا مهما في الشخصية الجزائرية؟
الشاذلي بن جديد: نعم
وتانابي :
أهي هوية محدودة لا أكثر؟
الشاذلي بن جديد:
نعم، هي محدودة في المناطق القبلية وباقي الجزائريين يتكلمون اللغة العربية نستطيع القول أن أصولهم القديمة أمازيغية لكن عندما جاء الإسلام، فضل الجزائريون الإنتماء إليه واحتضان اللغة العربية، مازال الناس الذين كانوا يسكنون في المناطق البعيدة، والتي لم تصنفها الحضارة العربية والإسلامية أوغيرها من الحضارات التي مرت على الجزائر، يتكلمون بلغاتهم المحلية، أما هؤلاء الذين كانوا يسكنون في الهضاب العليا والمناطق السهلية تخلوا عن لغاتهم المحلية وتكلموا اللغة العربية لأنها كانت لغة الحضارة في ذلك الوقت . اللغة الأمازيغية لغة محدودة وهي عبارة عن خليط من الفرنسية والعربية . والفرنسية هي لغ ة دخيلة على اللغة الأمازيغية. وأقولها بصراحة، هناك خطة استعمارية من قبل المخابرات الفرنسية لتغذية الإنتماء إلى الأمازيغية، من أجل كسب ود هذه الجماعات وربطهم بفرنسا وخلق مشاكل داخلية لممارسة ضغوط سياسية على الحكومة الجزائرية . والدليل على كلامي هذا ما تفرد به فرنسا من تدريس الأمازيغية في جامعاتها.
وتانابي :
هل اتخذت أحداث الرّبيع البربري في عام 1980 بعداً سياسياً؟
الشاذلي بن جديد:
نعم، كانت تلك الأحداث سياسية تحت غطاء المسألة الأمازيغيّة . يمكننا القول بأنها سياسية وثقافية في آن واحد والغرض منها ممارسة ضغوط سياسيّة على الجزائر تحت غطاء المسألة الأمازيغيّة .
وتانابي :
هل توجد هناك خصوصية ثقافية للجزائريين مختلفة عن الخصوصيّة الثقافيّة للتّونسيين والمغاربة ؟ ما الفرق بين الثقافة التّونسية والمغربية والجزائرية ؟
الشاذلي بن جديد :
الأماكن التي يتواجد فيها ما يسمى بالأمازيغيين موجودة في الجزائر والمغرب فقط، وينعدم وجودهم تقريباً في تونس . واللهجات في اللغة الامازيغية تختلف من مكان إلى آخر، فمثلاً قبائل شمال المغرب والجزائر عندهم لهجة خاصّة بهم، أيضاً تتكلم القبائل الموجودة في الريف المغربي على شط البحر الأبيض المتوسط لهجات قريبة من بعضها البعض، أما القبائل الشاوية الأمازيغية تتكلم لهجة مختلفة تماماً عن لهجات القبائل الأمازيغية الأخرى . وعند قبائل الطوارق أيضاً لغة محليّة تختلف عن اللّغة الأمازيغية ولهجة قبائل الشاوية،باختصار، الامازيغية لا تشكل لغة واحدة بل هي عبارة عن لهجات مختلفة تتكلم بها قبائل متعددة.
لا يوجد فرق بينهم، جميعهم ينتمون إلى منطقة وثقافة وحضارة واحدة وهي الثقافة والحضارة العربية الإسلامية. وتشترك جميع هذه الدول بوجود أقليات أمازيغية على أراضيها، ويسمي الفرنسيون الأمازيغ بالبربر وهذا مصطلح، في الواقع، يحجّم ويقزّم الأقّليات الأمازيغية ويجردهم من امتلاك حضارة خاصة بهم . لا يوجد خصوصية للجنسية الجزائرية، الجزائريون ينتمون إلى الحضارة العربية الإسلامية .
كيسايتشي :
هل تعني أنه لا يوجد فرق الجنسيّة الجزائرية والتونسيّة والمغربيّة ؟
الشاذلي بن جديد : ربّما هناك فرق في الميدان السياسي أما من الناحية الثقافية فإننا ننتمي إلى تاريخ وثقافة وحضارة واحدة، الثقافة العربيّة الإسلامية.وهذا الإنتماء الثقافي والحضاري يستمد من شرق الوطن العربي إلى غربه، جميعنا نتكلم اللّغة العربيّة بلهجات مختلفة، لا أكثر.
كيسايتشي :
سؤالي الأخير لوسمحتم، ما هوانطباعكم عن اليابان ؟
الشاذلي بن جديد:
الشعب الياباني شعب مجتهد يحب العمل، وقد ساهمت الحكومة اليابانية والشعب الياباني إلى حد كبير في تطوير القطاع الصناعي الجزائري، هذا بالإضافة غلى التفوق والتطور التكنولوجي الرّائع الذي تتمتع به اليابان؛ للأسف لم يسبق لي زيارة اليابان حتّى الآن، لكني أتمنى من كل قلبي الذهاب إلى اليابان في المستقبل القريب .
كيسايتشي ووتانابي : شكراً جزيلاً على وقتكم وحسن ضيافتكم.
2 novembre 2012
Chadli Bendjeddid