قرأت خلال الفترة الأخيرة كتابات كثيرة عن موضوع المنتخب الوطني، وأريد فقط أن أقول للقارئ الذي قد يلومني لأني عدت لموضوع المنتخب الوطني مجددا، إن المسألة تتجاوز بكثير المستطيل الأخضر، ولا علاقة لها بذهاب أو بقاء سعدان، لأن ما يروّج له البعض من أفكار خطيرة تهدد البنية الفكرية للمجتمع هي التي فرضت
عليّ أن أضع بعض النقاط على الحروف. من بين الذين أدلوا بدلوهم في موضوع المنتخب الوطني، نجد المعلق المشهور حفيظ دراجي. وخلافا لزميلي حسان زهار، لست من المعجبين بطريقة تعليق دراجي، وهربت منها منذ زمن إلى قنوات وتعليقات أكثر هدوء ورصانة، وهذا يبقى مجرد رأي مشاهد يرى أن ديمقراطية الفضائيات تمنح له الحق في اختيار القناة والمعلق. ومن حق دراجي أيضا أن يرى بأن »خربشاتي » لا تستحق القراءة والاهتمام. ويمكن له أن يهرب منها إلى كتابات أكثر مجاملة ونفاقا و »عرفانا بالجميل ».
أريد أن أقول منذ البداية إنه من حق دراجي إبداء رأيه فيما يجري داخل المنتخب، ومن حقه أن يقف إلى جانب رابح سعدان ويستميت في الدفاع عنه، سواء كان ذلك عن قناعة أو لأن راوراوة قرر الإبقاء على سعدان.
نحن لم ننكر على أحد حقه في إبداء رأيه وتقديم حججه ومبرراته، لكن أكثر ما أكرهه ويستفزني هم من يريدون تلقيننا دروسا في الوطنية والوفاء بالجميل، وهذا كان موضوع مقال آخر كتبه دراجي في الزميلة »الشروق ».
في الحقيقة، لم أستطع أن أفهم ماذا أراد صاحب »بوم » أن يقوله من خلال مقاله، لأنه بقي يلف ويدور، وكأنه يعلق على مباراة مملة، ويريد أن ينفخ فيها الإثارة والحماس. معلق الجزيرة يتكلم عن شخص قدم الكثير للكرة الجزائرية، دون أن يذكر اسمه، أو يعطي مؤشرات تجعلنا نتعرّف عليه، ويعود سبب إخفائه هوية هذا الرجل إلى رفض صاحب الشأن أن يكتب عنه شيئا. هذا حقه بالتأكيد، وكان بإمكان دراجي الاستغناء عن سرد حكاية رجل مجهول، ما دامت القصة كانت تدور وتلف لتصب عند سعدان وراوراوة.
دراجي يؤنبنا ويلومنا ويوبخنا لأننا، »قوم يكرهون النجاح » و »يتصيدون السقطات والأخطاء للناجحين »، ولأننا »نتكالب على الأحياء والأموات ». يا سلام، ما أروع هذه التهم التي تجعلني أحمد الله أن الموجودين في السلطة ليسوا مثله، لأنه لو كان مكانهم، لأمر بصلبنا في ساحة الشهداء، لأننا »نتصيد أخطاء سعدان » و »نحطم كل شيء جميل »، مع أن أخطاءه متوفرة في كل مكان، ولا تحتاج لتصيد أو صيد.
ولا أدري بأي معجزة تمكن معلق اليتيمة سابقا وأحد أباطرتها، من ربط مقارنة غريبة وعجيبة بين المرحومين بوضياف وبومدين، وبين سعدان ومنصوري، وهو يتهمنا كشعب وكدولة ( ربما) أننا لم نعد نذكر الثاني ونخاف من زيارة قبر الأول، ولا أدري لمن وجه هذه التهمة، هل للشعب أو للسلطة؟ وما علاقة بوضياف وبومدين بسعدان ومنصوري، وفي الحقيقة أنه يريد أن يقول ما دمنا تنكرنا لشخصيتين مثل سي بوخروبة وسي الطيب الوطني، فإنه من الطبيعي أن نتنكر لسي »لالتيتيد » وسي »ما تخرجنيش »؟!
عن أية تضحية تتكلم؟
ما أضحكني حقيقة هو تساؤله عن سبب انقلاب الشعب على منصوري بين عشية وضحاها، رغم أن هذا الأخير ،حسبه، ضحى من أجل المنتخب وكان قائدا خلال الـ10 سنوات. فماذا يقترح لنا »سي دراجي »؟! أن نخرج في مسيرات حاشدة عفوية للمطالبة بالإبقاء على منصوري قائدا للمنتخب، ولِمَ لا نطالب بالمرة بعودة صايب وتاسفاوت؟ وزد على ذلك، ما هي هذه التضحية التي قام بها منصوري؟ حسب صاحب المقال، أن »سي يزيد » لبى دعوة المنتخب لما كان الكثيرون يرفضونها، إذا هو فعل واجبه الذي من المفترض أن يفعله أي جزائري فخور بانتمائه ولا يرفض نداء الواجب أيا كان، وذلك دون أن ينتظر جزاء ولا شكورا.
وأريد أن ألفت نظر دراجي الذي يعيش في قطر (بصحتو) أن ملايين الجزائريين ضحوا حقيقة بحياتهم من أجل هذا الوطن، خلال الثورة وبعد الاستقلال، وخلال سنوات الإرهاب، وكثيرين عاشوا بإعاقات تلازمهم، وهؤلاء لم يتقاضوا واحدا على مائة من الملايير التي حصل عليها منصوري، وآخرين لا يزالون يضحون من أجل هذا الوطن، ويعتبرون أن ذلك واجبهم، ويسهرون حتى تنام أعيننا مطمئنة، دون أن يشتكوا أو يتباكوا أمام الشاشات، ودون أن يتذكرهم أحد بمقال كالذي كتبت.
لا يا دراجي، هذه ليست ديماغوجية، هذا الواقع الذي لا تراه أنت ولا نراه حتى نحن، لكننا نحاول على الأقل أن نتخيله، وأن نبدي قليلا من الاحترام لأولئك الذين ضحوا ويضحون حقيقة من أجل هذا الوطن.
الشيء الذي يجب أن نعرفه أن لكل شخص، خاصة المشتغلين في الأداء العام، تاريخ صلاحية، يجب أن يعرف متى ينتهي، ومتى عليه الرحيل، والخروج من الباب الكبير،ومن غير الحكمة المغامرة بتحدي قانون الطبيعة، وهذا ينطبق على منصوري وعلى غيره.
الجزائريون ليسوا ناكري جميل مثلما نقول، وليسوا هواة تحطيم كل شيء جميل، بالعكس، الشعب الجزائري يعشق الانتصار ويحب تثمين النجاح، لكن، لا يمكن أن نطلب منه المستحيل.
ماذا لو كنت يا دراجي فرنسيا، أعتقد أنك بمنطقك كنت ستدافع وبشراسة عن المدرب دومينيك وآتصور أنك كنت ستطالب بالإبقاء عليه مدربا للزرق، لأنه وصل إلى النهائي في مونديال 2006، وكنت اتهمت الشعب الفرنسي بنكران الجميل لهذا المدرب الذي أوصل الفريق إلى النهائي، وكان ضمن الطاقم الذي فاز مع الديكة بكأس العالم 1998 وكأس أوروبا 2000؟! إن أي لاعب يجب أن يعرف متى ينسحب. ولو كان لدينا جهاز فني قوي وصارم وقادر على فرض رأيه، لكان أبعد منصوري من التشكيلة الأساسية قبل أن ينتبه الجمهور إلى أن مستواه تدنى وتراجع و »تكركر »، خاصة في ظل وجود عدة بدائل قوية، مثل لحسن وفديورة.
الجمهور، يا سيدي، يمكن أن يغفر للاعب مباراة سيئة أو اثنتين، لكن، لا يمكن أن نطلب من عاقل أن يبقى يصفق كالأبله للاعب تجاوزته الأحداث.
وهناك مثل آخر، وهو اللاعب زياني الذي كان يحقق الإجماع، لكن إصراره على اللعب وهو ناقص منافسة ومصاب جعل الكثير من الجماهير تكفر به. هل هذا أيضا نكران جميل؟! لا يا »كابتن »، هذا قانون الطبيعة، البقاء للأصلح والأحسن. أين هو راؤول (الذي لم توجه له حتى الدعوة لحضور النهائي كضيف شرف رغم كل ما قدم للإسبان)، وأين رونالدو ورونالدينيو وزيدان وغيرهم؟!
الشعوب تتقدم ولا تنظر إلى الخلف، ولا تبقى حبيسة الماضي، مهما كان ذهبيا، ومهما بلغت الإنجازات التي تخللته. إن إنيستا الذي سجل هدف الفوز في نهائي كأس العالم لن توجه له الدعوة مستقبلا لو انهار مستواه، وقد يجلس على كرسي الاحتياط لو كان هناك من هو أفضل منه، لا مجال للمشاعر والعاطفة و »السوسيال » عندما يتعلق الأمر بمصلحة ناد أو فريق. ولهذه الأسباب تقدمت تلك الشعوب وتخلفنا نحن، مع أنه من المفروض أننا أبعد ما نكون عن تقديس الفرد، وجعله منزها عن الخطإ والانتقاد.
الشعوب لا تنظر إلى الخلف
ما دخل رئيسين مجاهدين بحجم بومدين وبوضياف في سعدان ومنصوري؟ ومن قال لك أن 35 مليون جزائري تنكروا لهما، ذكراهما دائما حاضرة في القلوب التي ليس لك عليها سلطان؟ ماذا تريد يا دراجي؟ أن نبقى كل يوم نتحدث عن بومدين وبوضياف رحمهما الله بسبب وبدونه؟ كل الشعوب المتقدمة لا تنظر إلى الخلف، وتخلد عظماءها في المناسبات، من تشرشل إلى ديغول إلى كينيدي.
فماذا تريد، إذن،يا حفيظ؟ هل تريد بقاء سعدان؟ لقد حدث هذا وانتهى الأمر.. هل تريد محاكمتنا لأننا ارتكبنا خيانة عظمى بلفتنا الانتباه منذ البداية لأخطاء الجهاز الفني، والتي تكررت وتراكمت وكانت السبب في عودتنا بخفي حنين من المونديال؟! ولأننا طالبنا برحيل سعدان ولا نزال لسبب بسيط أننا لا نأتمر من راوراوة.
لا يا دراجي، نحن نرفض عقد مقارنات سخيفة بين منتخب اليوم ومنتخب ما قبل 3 أو 4 سنوات أو أكثر، لأن ما تحقق كان أولا بفضل الدولة التي وفرت كل الإمكانيات المالية وقدمت الدعم المعنوي، وبفضل اللاعبين مزدوجي الجنسية الذين التحقوا بالمنتخب بعد تغيير قوانين الفيفا. وبعد ذلك، يبقى فضل سعدان، الذي لا يجعله منزها وغير معرض للنقد. يا سيدي المحترم، نحن نبقى مقتنعين أنه لولا ضعف الجهاز الفني، وعلى رأسه سعدان، لكان المنتخب حقق نفس مرتبة غانا على الأقل في مونديال جنوب إفريقيا.
لا يا حفيظ، نحن نرفض أن نثمـّن الفشل، ولسنا أنصار الوطنية الزائفة التي تستعمل ضد كل من يخالف الرأي، نحن لم نخوّن زملاءنا الذين هاجروا للعمل في الخارج، ثم لما اضطرتنا الظروف (أيا كانت) للحاق بهم، تحول الحرام فجأة إلى حلال، بل وإلى منبر لمواصلة الدعاية الذاتية بدعوى الوطنية.
ثقافة الفشل
مرة أخرى، أريد أن أوضح أن المسألة خطيرة، لأن هناك من يريدون أن يغرسوا فينا ثقافة الفشل والاحتفال الدائم بالنفس، وهو أسوأ ما يمكن أن يلحق بنا، لأن ذلك سيجعلنا نغوص في سبات لعشرية أو عشريتين على الأقل.
إن المجتمعات التي تقدمت هي تلك التي لا تنظر إلى الوراء، وليس لها الوقت للاحتفال بالحاضر، لأنها في معركة لا تهدأ بحثا عن انتصارات المستقبل، إن إسبانيا التي فازت بكأس العالم لن تحتفل بنفسها لمدة عشرات سنوات. أما نحن، فلا زلنا نحكي عن قهرنا للألمان في 1982، ويريد البعض أن يجعلونا نعيش عشر سنوات أخرى،ونحن نحتفل لأننا فزنا على مصر وتأهلنا للمونديال، في الوقت الذي أصبحت فيه تصفيات كأس إفريقيا القادمة على الأبواب. لقد قرأت أشياء أخرى كثيرة لصحافيين، بعضهم »شيات » بامتياز، وبعضهم مجرد »لابرانتي تاع الشيتة »، وأكبر سخافة تستحق أوسكار الغباء، هو ما كتبه أحدهم يقول إن الذين ينتقدون سعدان أقلام مأجورة، مع أن الأسهل هو أن نقول إن الذين ساندوا سعدان أقلام مأجورة، على الأقل يوجد منطق، لأن هناك مستفيد. أما الذين انتقدوا سعدان عن قناعة، وهم أقلية، لا يوجد من ورائهم أي مستفيد. وما دام سعدان باق على رأس المنتخب، لن نتوقف عن ممارسة حقنا في الانتقاد وإبداء الملاحظات الموضوعية. أسوأ ما أصاب شبه النخبة الموجودة عندنا هي اتهامها كل من يخالفها الرأي بالعمالة، ما أتعسها صحافة، والأيام بيننا، والمباريات القادمة كفيلة بتعرية الجميع أمام الجماهير التي لم تر بعد الأمور على حقيقتها.
كمال زايت
28 juillet 2010
Non classé