بعد أزيد من ثلاثة عقود عن رحيلها :الجزائر تأبى العرفان لطاوس عمروش
![]() إن الحديث عن أي فرد من عائلة »آل عمروش » ليس بالأمر الهيـّن، كوننا بصدد إلقاء الضوء على أزيد من نصف قرن من الإبداع في المجال الأدبي الثقافي والنضال لإحياء الهوية الحقة، وكذا من الصمود أمام النسيان والتهميش والمنفى· فقد كان ثلاثي »آل عمروش » من صفوة المثقفين الجزائريين بعد نهاية حرب التحرير، إلا أن جزائر الاستقلال أدارت لهم ظهرها، لا لشيء سوى لانتمائهم لدين مختلف، دين المستعمر، فاختاروا المنفى في أرض الله الواسعة، والحنين إلى الوطن يقطع أوصالهم، إلى أن رحلوا في غربتهم دون أن تلتفت الجزائر إلى ذكراهم وإلى أحلامهم وطموحهم· طاهر أوشيحة
وعن حياتها الخاصة، فقد ارتبطت طاوس بفنان تشكيلي فرنسي، أندريه بورديل، ليفترقا فيما بعد· ولدت لها ابنة وحيد »لورانس بورديل عمروش »، والتي كانت هي الأخرى شديدة الارتباط والولع بشخصية والدتها التي قالت عنها في إحدى شهاداتها: » لقد كنت جد قريبة من أمي·· يصعب عليّ نطق كلمة أمي، بالنسبة لي هي طاوس، لأنها ليست ملكية خاصة بي، فقد كان هناك فرق كبير بين تلك الراهبة التي كانت تتألق على خشبة المسارح منتعلة الكعب العالي الذهبي اللون بقامتها التي لا تتجاوز مترا وثمانية وخمسين سنتمترا، تلك المرأة العملاقة الملكة الخرافية· وبين الأم التي عشت معها تحت سقف واحد، فقد كانت وكأنها تنتمي لعالم آخر، وهو الشيء الذي يميزها عن غيرها من النساء اللواتي يكتبن ويغنين·· كانت وكأنها من زمن آخر، عنيفة، ومرهفة الحس، تميل إلى التملك، إلا أنها تتوق إلى الحنان والرقة·· كانت شخصا يجمع عدة نقائض في شخصية واحدة، فقد عانت لمدة طويلة من المنفى وازدواجية الهوية، كما عانت لأنها لم تعرف في حياتها حب رجل·· أعترف أنها كانت فعلا شخصا رائعا، وقد توفيت بين ذراعيّ· وخلال كل تلك الفترة التي احتككت بها، كنت مطلعة جدا عمّن تكون فعلا·· لم نتناقش عن أشياء عديدة لسوء الحظ، فهي كانت تريد حمايتي، وأنا لم أكن فضولية لأطلب منها المزيد·· لم أقرا كتاب >قصة حياتي< إلا بعد وفاتها·· فعلا، كانت تريد حمايتي من معاناة ازدواجية الانتماء، فكانت تكرر دائما لي: أنت فرنسية، أنت فرنسية· الجزائر لا تبالي مباشرة بعد الاستقلال، كانت طاوس عمروش مهمشة من طرف السلطات الجزائرية، وكذا من طرف الطبقة المثقفة الجزائرية التي أرادت أن تضع »آل عمروش » في طي النسيان· لذا، لم تتردد على بلادها كثيرا، فقد تمت دعوتها في نهاية الستينيات من أجل إلقاء محاضرة حول أخيها »جون المهوب عمروش »، كما عادت مرة أخرى بدعوى رسمية من طرف الطالب الإبراهيمي الذي كان يشغل آنذاك منصب وزير الثقافة والإعلام، كما طـُلب منها أن تكون ضيفة شرف خلال المهرجان الثقافي الإفريقي للموسيقى والشباب الذي احتضنته الجزائر عام 1966 لكن دون أن تغني فيه، الشيء الذي رفضته وردت عليه بنشرها لمقال مطول على صفحات جريدة »لوموند » الفرنسية· وبالرغم من ذلك، فإنها تحدت السلطات الجزائرية وقدمت وغنت في المهرجان أمام الملايين من المشاركين فيه وأمام الشباب والطلبة الجزائرين· ومن تلك الفترة، بدأت تسوء علاقتها مع الجزائر· وفي زيارتها الثالثة شبه الرسمية، فتحت طاوس النار على العديد من الوزراء والمسؤولين الجزائريين وانتقدتهم بشكل مباشر ولاذع، وقد تم توقيفها بالمطار، ولم يطلق سراحها إلا بعد تدخل »رضا مالك » الذي كان آنذاك سفير الجزائر في باريس· ومنذ تلك الحادثة، انتهى الأمر ولم تطأ رجلها أرض الوطن، لأنها فضلت صون كرامتها وعدم تحمل ذل السلطات الجزائرية التي تحاملت عليها من خلال تهميشها في العديد من المحافل، وعمدت حتى إلى طمس سيرتها· وكان مصير أخيها المهوب نفس، فقد قامت السلطات بإخفاء تسجيلات الفنانة التي قامت بها في استوديوهات إذاعة القناة الثانية، ولا يعرف إن أتلفت أو ماذا صنع بها· كما أن طاوس لم تعد إلى تونس، مسقط رأسها، إلا أنها كانت تزور المغرب باستمرار، حيث تلقت عدة دعاوى رسمية من طرف القصر الملكي المغربي، إلى أن توفيت بعد صراع طويل مع داء السرطان في الثاني من أفريل عام 1976 بسان ميشال أين دفنت، وأوصت أن لا يكتب على شاهد قبرها أي شيء سوى »طاوس »· ولحد الآن، لا تزال طاوس عمروش غير معروفة من طرف العديد من الجزائريين، خاصة من الجيل الجديد· فالبرغم من وجود عدة جمعيات تنشط في إطار الحفاظ على الموروث الثقافي والأدبي للشخصية، إلا أن الجهات الرسمية لم تحرك ساكنا في دعم تلك الجهود· ولعل الصراع الدائر حاليا بين عدة جمعيات وبين السلطات حول إطلاق اسم »طاوس عمروش » على دار الثقافة ببجاية، خير دليل على نكران الجميل وإدارة الظهر لمن كانت لتمثل معلم من معالم الثقافة والهوية الجزائرية، وشخصية تعتز بها جزائر التفتح والتنوع الثقافي، لتبقى ابنة »إغيل أعلي » ببجاية رمزا من تلك الرموز التي يتحامل ناكرو الجميل على طمسها· |
21 janvier 2010
LITTERATURE