من بين أعماله الأدبية التي تشد المتلقي حتى النهاية روايته »الصدع » التي كتبها بحساسية أدبية عالية. وأنت تقرأ جمله القصيرة والعميقة تشعر بوقع موسيقى أسلوبية تحاورك منذ البدء وتجذبك بقوة حتى النهاية، عملية التلقي في ذلك العمل تشبه إلى حد بعيد عملية الإبحار دون مجاديف القواعد الأدبية الجافة. في هذا الحوار التقينا مبدع »الصدع » ليحدثنا عن نفسه وعن فعل الكتابة التي تركها جانبا بمناسبة التحضير لشهادة الدكتوراه في فرنسا.
بعد كتاب »الأصابع الثلاثة لليد » في 2003 أعقبه عمل أدبي »الصدع » في 2005 ليليه في عام 2008 »الثورات الخامدة »، ثم لا نسمع شيئا عن سليمان آيت سيدهم.. أين أنت من كل ذلك؟
حاليا لا جديد في المجال الأدبي، لكن هذا لا يعني أن أمنع نفسي عن الصحافيين أو النقاد كي يتحدثوا عن رواياتي.. ثم ليس على الكاتب أن يفرض نفسه دائما على الإعلام والمؤسسات الثقافية. ثم لا يجب أن نتجاهل حضوري كل أسبوع من خلال جريدة »الوطن » من خلال مقالاتي في ملحق »ثقافة وفن ».
لنعد إلى أعمالك الأدبية.. المتتبع لروايتك الثانية »الصدع » نشعر أن بدايتها تتماهى كثيرا مع أحد الأعمال الأدبية الشهيرة لبروست والتي تحمل عنوان »بحثا عن الزمن الضائع »، هل كان ذلك توارد أفكار، بمعنى مصادفة، أم أن الكتاب كان له أثر فعلي على مخيلتك، خاصة وأنه يدخل في إطار الرواية النفسية؟
صحيح أن الكثيرين يشيرون في روايتي إلى ما يطلق عليه في المصطلح الأدبي بـ »التناص ». لكن أستطيع أن أؤكد لك فورا أنني لم يسبق لي أن قرأت رواية بروست. فقط ربما في إحدى رواياته الأولى حيث كان مقلدا في أسلوبه الكتاب الكبار. من جهة أخرى لا يجب أن نتعرض إلى المسألة بسطحية، لأنه لا أحد يمكنه أن يكتب من العدم. هناك دائما تأثيرات واعية أو لا شعورية التي تبني نصا كاملا. بالنسبة لي قبل أن أنتقل إلى الرواية كنت قارئا فضوليا ونهما ولازلت كذلك. وأعترف لك أنني أعشق القراءة أكثر من كوني كاتبا مجتهدا. ومن خلال حديثك عن الرواية النفسية أعتقد أن قراءة أبي الرواية النفسية، وأعني بذلك »دوستويفسكي »، كان له الأثر على أعمالي في بعض النواحي كصياغة الأسلوب الحواري والإسراف في وصف الحياة الداخلية للشخصيات.
عندما قرأنا روايتك الأولى »الأصابع الثلاثة لليد » ثم روايتك الثانية »الصدع »، نشعر أن هناك تطورا مهما على مستوى الأسلوب واللغة، نشعر أنك بذلت جهدا أكبر في هذه الرواية. ما رأيك؟
احترم وجهة نظرك، ولكن اعتقد بأن الميزات التي ذكرت في رواية الإفلاس نجدها أيضا في روايتي »الأصابع الثلاثة لليد ». الاختلاف الوحيد نجده في كون الرواية الأولى كتبت بطريقة حميمية، وهي أميل إلى الحوار الداخلي، في حين أن العمل الثاني يرتكز على الخيال والسخرية. هي كتابة تتوجه إلى الآخر: شخصيات خيالية، وقصة كانت في شكل محاكاة ساخرة لتحقيق بوليسي. كل هذه المكونات أعطت للكتابة شكلا مرحا دون قيود رسمية.
ظاهرة ميزت العديد من المتون السردية الجزائرية وهي التوجه نحو البطل النخبوي ونجد أيضا هذا في أعمالك. لماذا لا تكتب عن شخص من العامة؟
في الحقيقة لم يسبق لي أن طرحت سؤالا على هذا الشكل، أي الحديث عن أبطال مثقفين أو من عامة الشعب. أبطالي هم أشباه مثقفين، هم ليسوا من مستوى مصطفى لشرف أو مولود فرعون أو مولود معمري. لكن إذا قرأت جيدا في »الثورات الخامدة » ستلاحظين أن من بين الشخصيات الخمسة هناك شخصيتان من النخبة. وهنا يجب أن نفرق بين المتعلم والمثقف. المثقف ينتج أفكارا مؤثرة، بمعنى تجعل الأشياء تتقدم، في حين أن شخصيات روايتي لديهم وجهات نظر مثل الجميع، وأحيانا يظهرون على نحو غامض. في النهاية المهم هو النية الأدبية.
كيف تصف فعل الكتابة: هل هو عمل فكري نيّر وعميق من أجل عرض أفكار. أو هو التعبير عن جرح نرجسي خاص بالكاتب؟
أنا أناقضك في هذه المسألة، بمعنى لا هذا ولا ذاك. فالجرح النرجسي يعالج عن طريق التطهير، والمتلقي ليس مجبرا لتحمّل أمزجتنا. بالنسبة للفرضية الأولى المتعلقة بعرض الأفكار، الكاتب الذي يريد أن يفعل ذلك أنصحه بصياغة بيان. مهمة الأدب هو احتواء كل الخطابات وكل الأفكار التي تمس المجتمع وتستنهض الهمم. لكنها تظل نوعا من العالم الافتراضي، حيث كل شيء مكن، وتتحول آراء الكل إلى تعبير. ليس من أجل تقديم دروس أخلاقية. هذا هو تصوري لفعل الكتابة.
البعض يعتقد أن مستقبل الرواية الجزائرية سيكون في الأدب المكتوب باللغة العربية.. ما رأيك؟
لقد كنت أنتظر هذا منذ سنوات، وأرى دائما أن الرواية المكتوبة باللغة الفرنسية حاضرة بقوة وبمواهب جديدة مهمة. وشيء آخر أود قوله وهو أنه أي أدب كي يستمر بحاجة لكثير من التجارب والتنوع اللغوي. الأدب الجزائري كي يبقى بحاجة لياسمينة خضرا وأحلام مستغانمي واللامع موحيا.
في حوزتك ثلاث روايات، بعد إذنك سأطرح هذا السؤال: كم يربح الكاتب؟
من المهم أن نطرح هذا السؤال، لأن غياب إجابته أصبح مكمنا للتلاعب عند البعض الذين يعتقدون أن الكاتب الذي ألف كتابا سيغنيه ذلك عن الفاقة مدى الحياة. قد يكون الأمر صحيحا بالنسبة لبعض الكتاب الذين يعدون على الأصابع، مثل راولينغ، دان براون وغيوم موسو. عدا هؤلاء فمن يكتب كتابا يظل في النهاية مشروعا محفوفا بالمخاطر قبل أن يكون منبعا مربحا. كل الكتاب يعملون من أجل تلبية حاجاتهم. بالنسبة لي لم أقم بحساباتي بعد، لكن أستطيع أن أؤكد باختصار أنني في حالة العجز.
من هم من الكتاب الذين أثروا فيك وكان لهم الفضل في رسم طريقك الأدبي؟
كما سبق وأن قلت لك أنني قارئ نهم ولدي فضول في كل ما يكتب بالفرنسية والعربية والأمازيغية. طبعا استطيع أن أقدم أمثلة كـ »ميلان كونديرا »، فرعون، أمادو.. لكن بعيدا عن كل ذلك أعتقد أنني ولدت بقلم في اليد اليمنى وورقة في اليد اليسرى. وأعتقد أنني بهذا الهوس منذ طفولتي، حيث كنت أسجل على وريقات أشياء قد تمر بدون أن تلفت الانتباه لكنها مهمة في النهاية.
ماذا تقرأ الآن؟
لقد بدأت للتو قراءة كتاب سرامانغو الذي يحمل عنوان »رحلة فيل ».
ما هي مشاريعك؟
أعتقد أنه من الأولويات في الوقت الحاضر هو إنهاء رسالة الدكتوراه في الأدب ثم ربما سأعود للكتابة الأدبية. في كلمة أقول يجب الاهتمام في ترتيب الأولويات، والابتعاد عن أوهام حرفة الكتابة. ¯
حوار: وسيلة بن بشي
21 janvier 2010
Non classé